إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح القواعد الأربعة
24524 مشاهدة
علامات السعادة: الصبر والشكر والاستغفار

...............................................................................


ثم يقول: وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هؤلاء الثلاثة عنوان السعادة. دعوة عظيمة، دعوة شريفة، إذا حصلت للعبد هذه الخصال: الابتلاء: الامتحان، والصبر عليه من واجب المؤمنين، والشكر هو: الاعتراف بنعمة الله تعالى، والاعتراف بفضله، والاستعانة بنعمه على طاعته، فإذا أعطى الله العبد نعما فاستعان بها على طاعته،واعترف بأنها فضل الله فقد شكر. والشكر سبب للزيادة: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وسبب للثواب وترك العقاب، قال تعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ أي: لا يعذبكم إذا شكرتم وآمنتم وصبرتم واحتسبتم.
ولا شك أن الإنسان لا ينفك في كل وقت من نعمة وعطية وهبة، عليه أن يشكر الله عليها دائما. فلا يفتر عن الشكر، إذا أعطي شكر، متى تتوقف نعم الله عن العبد؟ لا تتوقف، إذا فهو مأمور بأن يشكر الله دائما، وبأن يكثر من شكره.
وأما الابتلاء فيعم الابتلاء في النفس وفي المال وفى الولد، ويعم من إذا سلط عليه من يؤذيه، أو من يحقر من شأنه، يصدق عليه أن هذا من الابتلاء. الابتلاء الذي من الله يجب أن يرضى به، وأن يصبر، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ إذا ابتلي بشيء من الله تعالى كفقر أوفاقة، وجوع وجهل ومرض، وكذلك إذا ابتلي في بدنه بفقد حاسة من الحواس؛ كسمع أو بصر أو نطق، أو ابتلي بمرض - أنواع الابتلاء في البدن- والابتلاء في المال أيضا والابتلاء في المال: بفقد شيء من الأموال، ونقص من الأموال والثمرات، وما أشبه ذلك، والابتلاء في الأهل، يعنى: بالأمراض، وبالموت وبالمصائب، والابتلاء في ذات الله تعالى بتسليط الأعداء عليه، كما حصل للصحابة. قال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ابتلوا في أموالهم وأنفسهم، وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا سمعوا أذى، وحصل لهم أذى، ثم قال: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ فصبروا واتقوا وكانت العاقبة للتقوى. فمن ابْتُلِيَ فصبر، فذلك من علامات السعادة.
وأما قوله: وإذا أذنب استغفر. فإن الاستغفار طلب محو الذنوب، إذا قال العبد: أستغفر الله، فكأنه يقول: يا رب أطلبك أن تستر ذنوبي، لأن الغفر هو الستر، ومنه سمى المغفر الذي يلبس على الرأس، لأنه يستر الرأس ويقيه من وقع السلاح. وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر والغفر: هو الستر. غفر: يعني ستر ومحا الذنوب. متى وقع من الإنسان ذنب صغير أو كبير بادر واستغفر، بادر وطلب من ربه غفر هذا الذنب وستره، وإزالة أثره حتى لا يعاقب عليه. الله تعالى يأمر بالاستغفار في قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وذكر الله تعالى عن نوح أنه قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا أي طلب من ربه أن يغفر له. النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بأن يستغفر، وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ مع أن الله تعالى قد غفر له لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ومع ذلك كان يكثر الاستغفار، في الحديث عنه قال: إنه لَيُغَانُ على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة والأحاديث في الاستغفار كثيرة.
فالذي إذا أذنب بادر واستغفر يغفر الله تعالى له، وأما الذي يُصِرُّ على الذنوب فإنه يستحق أن يعاقب عليها إلا أن يشاء الله؛ كما في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا الإصرار على الذنب ولو كان الذنب صغيرا يصيره كبيرا .
يقول: فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة، يعني كونه: شاكرا إذا أعطاه الله، وصابرا إذا ابتلاه الله، ومستغفرا إذا وقع منه ذنب. فهذه الثلاث عنوان السعادة، أي: دليل على أن الإنسان من السعداء، وذلك بأنه يبادر فيستغفر بعد أي ذنب فلا يبقى عليه ذنب، .يمحو بحسناته السيئات، ولأنه يشكر الله، إذا شكر الله تعالى فقد أدى حق الله في تلك النعمة، ولأنه يصبر ويتحمل، ومن صبر وتحمل أثابه الله على الصبر إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وتفصيل ذلك يعني التوسع فيه مذكور في الكتب، من أراد التوسع في ذكر الصبر والشكر، يقرأ كتاب ابن القيم ( عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ).
يقول لك: فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة في الدنيا وفي الآخرة ثم يقول أيضا: اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم دعا لك أيضا بالرشاد، أرشدك الله، الرشد هو: الاستقامة والدلالة، وضده الغواية. وطريق الرشد هو الذي يؤدي بمن سلكه إلى الاهتداء، وضده يؤدي بمن سلكه إلى الغواية. جعل الله الرشد والغي متضادين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ وقال تعالى: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا فأرشدك الله يعني جعلك من الراشدين.